Tuesday, January 24, 2012

الإنترنت بين رقابة الدولة ورقابة المجتمع

في ٢٥ يناير ٢٠١١ كتبت تعليق على فيسبوك أنني دائما ما كنت افتخر بأن حكومة بلدي لم تقم في أي وقت مضى بحجب أي موقع على الإنترنت ولكن للأسف لم يعد ذلك صحيحا من اليوم. كان ذلك بمناسبة حجب موقع تويتر بعد ظهر يوم ٢٥ يناير ٢٠١١. وكان ذلك أيضا قبل قرار قطع خدمات الإنترنت والمحمول مساء يوم ٢٧ يناير ٢٠١١ بناء على أوامر من جهات أمنية. مناسبة الحديث عن ذلك اليوم هو ليس مرور عام على اندلاع الثورة المصرية، وإنما بعض التعليقات التي قرأتها مؤخراً على شبكات التواصل الاجتماعي بأن هناك اتجاه للرقابة على الإنترنت وحجب الدخول على المواقع الإباحية من أي مكان داخل مصر. وقد يكون الدافع لمثل هذه التعليقات هو نتيجة انتخابات مجلس الشعب والتي جاءت بفوز التيارات الاسلامية بالأغلبية ومن ثم تصور البعض أنه من الطبيعي أن يتم حجب مثل هذه المواقع في بلد تمثل التيارات الإسلامية فيه الأغلبية البرلمانية المنتخبة. والحقيقة أن الدعوة لحجب مثل هذه المواقع ليست بالأمر الجديد فقد سبق وطالبت مجموعات على الفيسبوك وغيرها من المنتديات بذلك، بل إن محكمة القضاء الإداري كانت قد أصدرت حكماً في سنة ٢٠٠٩  يقضي بحجب مثل هذه المواقع (وزارة الاتصالات لم تنفذ الحكم لأسباب لا أعلمها). ولكن وبغض  النظر عن الظرف الزمني والسياسي تظل النقطة الجوهرية في هذا الموضوع هي لماذا الحجب ومن عليه مسؤولية القيام به. 
تقوم فكرة التصفح على الإنترنت بالأساس على أن المستخدم يطلب ما يريد من معلومات سواء كانت هذه المعلومات مكتوبة أو مسموعة أو مرئية. وبالتالي فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم المستخدم بتشغيل برنامج المتصفح على جهاز الحاسب الخاص به فيجد نفسه امام صفحة لم يطلب هو نفسه الوصول إليها. هذه نقطة مهمة لتوضيح أحد الفروق الجوهرية بين الإنترنت ووسائل الاعلام الاخرى المقروءة والمسموعة والمرئية والتي يكون فيها المستخدم أقرب إلى المتلقي منه للباحث والمشارك كما هو الحال على الإنترنت. وهذا ليس سبباً لتبرير الرقابة على وسائل الإعلام وهو موضوع خارج نطاق حديثنا هنا ولكن لتوضيح مبدأ هام من المبادئ التي قامت عليها تكنولوجيا الويب والتي عادة لا يلتفت إليها عند الحديث عن الرقابة على الإنترنت. 
لا أعتقد أن هناك اختلافاً جوهرياً في مجتمعنا المصري على ضرورة الحفاظ على قيم المجتمع الأخلاقية ومبادئه الدينية خاصة حينما يكون الحديث عن ذلك مرتبط بمؤسسات المجتمع المختلفة بما فيها الأسرة المصرية ودورها الأصيل في غرس هذه القيم وترسيخها في النشء والشباب من الجنسين. الاختلاف عادة ما يكون حول الكيفية التي تمكن المجتمع من الحفاظ على هذه المبادئ والقيم. البعض يرى أن هذا دورالدولة من خلال مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، فنجد في موضوع الإنترنت من يطالب الدولة بالقيام بدور الرقيب على الشعب فتمنع الدخول على المواقع التي من شأنها أن تفسد المجتمع. بينما يرى البعض الآخر أن المسؤولية هنا مجتمعية بالدرجة الأولى وأن إحكام الدولة سيطرتها على الإنترنت ما هو إلا معالجة فوقية لها من الأضرار ما يفوق فوائدها. والواقع في مجتمعاتنا العربية بشكل عام أن الدولة عادة ما تقوم بدور الرقيب في أمور مختلفة وبالتالي يبدو قيامها بنفس الدور فيما يتعلق بالإنترنت من الأمور المسلم بها بل من الأمور التي ينادي بها البعض في مجتمعاتنا. هذا الواقع في رأيي هو نتاج للأنظمة السياسية في تلك الدول والتي عادة ما تفتقد للتعددية وتميل إلى المركزية الشديدة وإلى تغييب أو تهميش دور المجتمع المدني من ناحية وتعظيم دور الأجهزة الأمنية من  ناحية أخرى، مع تدني مستوى التعليم والثقافة بشكل عام. وعادة ما تغفل هذه الدول الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الإنترنت من تمكين أفراد المجتمع وخاصة الشباب وتوسيع نطاق  قدراتهم وتحفيزهم على التفكير والابتكار. لذلك لا عجب أن حجم إسهام معظم هذه الدول على الإنترنت من خلال ما يمكن أن تقدمه من خدمات وتطبيقات ومحتوى يكاد يكون معدوم.
ويكمن الخطر الحقيقي في رقابة الدولة على الإنترنت حتى ولو من باب الحفاظ على قيم المجتمع الأخلاقية، في قيام الجهة الرقابية بتوسيع مساحة الرقابة  لتشمل أمور أخرى من سياسة ورأي وأدب وغيرها. وبالتالي تتحول الرقابة من وسيلة للحفاظ على القيم الأخلاقية وهو دور لا بد أن يضطلع به المجتمع كله بمؤسساته المختلفة - إلى قيد من قبل الدولة على حرية الرأي والتعبير وهذا أخطر ما في الموضوع.  ونظرة سريعة على الدول المجاورة نجد أن كثيراً منها يحجب مواقع ومنتديات لعرضها آراء وأفكار ترى الجهة الرقابية أن فيها خروج على تقاليد المجتمع حتى ولو كانت هذه الآراء في قضايا سياسية. وهناك دول تشترط على من يرغب في التدوين أن يحصل على ترخيص من الحكومة وإلا تعرض للمساءلة القانونية.
ومن الأمثلة التي تسلط الضوء على الرقابة على الإنترنت قضية المحتوى الإباحي للأطفال وكيفية حماية الأطفال من التعرض لهذا المحتوى. هناك العديد من التجارب وقصص النجاح في دول العالم المختلفة (بما فيها مصر) في كيفية التعامل مع هذه القضية. وتجدر الإشارة هنا أن الدول التي حققت نجاحاً في التعامل مع هذه القضية أخذت في عين الاعتبار أنها قضية مجتمعية بالدرجة الأولى تتضافر فيها الجهود بين أصحاب المصلحة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لمكافحة هذا النوع من المحتوى. ويشكل الفرد سواء الأب والأم في البيت أو المعلم والمعلمة في المدرسة عاملاً أساسياً في توعية الأطفال عن كيفية الاستخدام الآمن للإنترنت. ويلعب المجتمع المدني دوراً مهماً في تدريب الآباء والمعلمين على استخدام الإنترنت وعلى مواكبة التطور المذهل في أدواتها وتطبيقاتها حتى يتسنى لهم مجاراة جيل الأبناء في استخدامه لهذه التكنولوجيا. وتقوم شركات القطاع الخاص بتطوير حزم البرامج وتقديم خدمات مضافة للأسر التي ترغب في توفير  استخدام آمن لأبنائها. وفي بعض البلاد قامت المدارس بتطبيق سياسة الاستخدام الآمن داخل المدرسة. وتلعب الحكومة دور المايسترو المنظم لقواعد اللعبة بين أصحاب المصلحة المختلفين من خلال وضع السياسات المحددة لدور كل طرف وفي إطار من الشفافية يضمن اضطلاع كل طرف بمسؤولياته.
تعد مصر دولة رائدة في مجال الإنترنت في العالم العربي. فهي من أوائل دول المنطقة في تقديم خدمات الإنترنت بل هي الدولة الأولى التي قامت فيها شركات القطاع الخاص بتقديم هذه الخدمات. مصر من الدول القليلة في المنطقة التي لا تفرض رقابة على الإنترنت، ولا تحجب أي من مواقعها، وبرغم حادث قطع خدمات الإنترنت خلال الثورة والذي كان بمثابة كارثة بكل المقاييس فقد قدمت مصر على مدار العقدين السابقين نموذجاً ناجحاً في حوكمة الإنترنت وكانت ومازالت شريكاً فاعلاً في العديد من المنتديات العالمية وفي عمليات تطوير سياسات الإنترنت على مستوى العالم. مجتمع الإنترنت في مصر عليه مسؤولية وطنية ليس فقط من أجل الحفاظ على ريادة مصر في المنطقة وإنما لإحداث نقلة نوعية في صناعة الإنترنت، وتكنولوجيا المعلومات بشكل عام، تضمن لمصر مكاناً دائماً على الخريطة العالمية لهذه الصناعة.