Monday, August 22, 2011

لا لتعديل قانون الاتصالات


أثير في الأشهر القليلة الماضية العديد من المناقشات وصدر الكثير من التصريحات حول تعديل القانون رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٣ بشأن تنظيم الاتصالات في مصر بزعم أن هذا القانون يضم بين مواده مادة سمحت للجهات الأمنية بقطع اتصالات المحمول وخدمات الإنترنت خلال أحداث ثورة ٢٥ يناير. والمادة  المقصودة هي المادة ٦٧ والتي تنص على أن "للسلطات المختصة فى الدولة أن تخضع لإدارتها جميع خدمات وشبكات اتصالات أى مشغل أو مقدم خدمة، وأن تستدعى العاملين لديه القائمين على تشغيل وصيانة تلك الخدمات والشبكات، فى حالة حدوث كارثة طبيعية أو بيئية أو فى الحالات التى تعلن فيها  التعبئة العامة طبقاً لأحكام القانون رقم ٨٧ لسنة ١٩٦٠ المشار إليه وأية حالات أخرى تتعلق بالأمن القومي". وفي الواقع أنني كنت ومازلت غير متحمس لإجراء أي تعديلات على القانون في :الوقت الحالي. ويمكن أن ألخص أسباب عدم حماسي في الآتي 
قناعتي الشخصية أن قرار قطع خدمات الاتصالات خلال الثورة كان قراراً أمنياً بحتاً لم يستند إلى أي قانون، بل إنني يمكن أن أزعم أن من اتخذ هذا  القرار لم يكن أصلًا  على دراية بمواد قانون الاتصالات. أضف إلى ذلك اتفاقي مع  الرأي القانوني القائل بأن هذه المادة 
برغم بشاعتها فإنها لا تعطي أي جهة في الدولة السند القانوني لقطع الاتصالات.
  عدم ارتياحي لفكرة اصدار قوانين جديدة أو تعديل قوانين قائمة في ظل وجود مجلس عسكري في الحكم وغياب برلمان منتخب ومن
 خلال حكومة أياً كان من فيها هي بمثابة حكومة مؤقتة لحين اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وانتخاب رئيس مدني للبلاد. طبعاً يستثنى من ذلك حالات الضرورة التى تستدعي اصدار أو تعديل قوانين نحن بحاجة إليها في إطار الاستعداد للانتخابات وما إلى ذلك وهي حالات لا علاقة لها بقانون الاتصالات من قريب أو بعيد.
 اعتقادي بأن تعديل قانون الاتصالات لا بد أن يأتي في إطار مراجعة شاملة للقطاع ودراسة للتطورات التي تحدث في العالم في النواحي الفنية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ذات الصلة بمجالات الاتصالات والإنترنت، وليس في الإطار الضيق لمادة من مواد القانون بزعم أنها سبب قطع خدمات الاتصالات. 
لكن بالرغم من عدم حماسي لإجراء التعديلات في الوقت الحالي إلا أنني رحبت بمبادرة وزارة الاتصالات وجهاز تنظيم الاتصالات لإجراء حوار مجتمعي حول الموضوع وتصورت أنها ستكون فرصة حقيقية لمشاركة المجتمع المصري ولو بالرأي في صياغة أحد القوانين المنظمة لصناعة باتت من أهم الصناعات في العالم الذي نعيشه اليوم، واعتقدت أن هذا المجتمع الذي انطلقت الشرارة الأولى لثورته من خلال شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت ونجح في الوصول إلى هدفه رغم انقطاع الخدمة لما يزيد  عن خمسة أيام من أيام الثورة الثمانية عشر، أقول اعتقدت ومازلت أعتقد أن المجتمع المصري جدير بهذه الفرصة. وأعترف بأنني كنت متفائلا بعض الشيء عندما تخيلت أن حواراً مجتمعياً جاداً يمكن أن يتم حول هذا الموضوع، لكن بدأ تفاؤلي بالتلاشي شيئاً  فشيئا مع كل تصريح يصدر من مسؤول حول الموضوع، وكنت في نفس الوقت أزداد قناعة أن تعديل القانون في الوقت الحالي سيؤدي بنا في الغالب إلى  قانون أسوأ من القانون الحالي لأنه ببساطة سيأتي من خلال حكومة تفتقد الرؤيا، وقد تكون معذورة في ذلك، وتحت مظلة حكم عسكري بدأنا نشعر ونرى مساوئه وأصبحنا نتمنى زواله في أقرب وقت. 
 ولكي أكون موضوعياً بعض الشيئ سأحاول أن أسرد باختصار الأسباب والأحداث التي ساقتني إلى وحهة نظرى هذه. الحدث الأول كان دعوة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لجلسة حوار مجتمعي حول تعديل قانون الاتصالات، وهي بالطبع خطوة محمودة من قبل الجهاز نحتاج أن نبني عليها كي تتحول عملية الحوار المجتمعي من مجرد حدث يجرى مرة أو مرات إلى ممارسة حقيقية لا غنى عنها عند مناقشة قضايا وسياسات الاتصالات والإنترنت.  وكان جهاز تنظيم الاتصالات قد أعد مسبقاً اقتراحاً لتعديل المادة ٦٧ وقام بعرضه على الحضور خلال الجلسة وينص الاقتراح على أن يكون قرار قطع الاتصالات بموافقة مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. وكانت هناك أراء عديدة خلال جلسة الحوار ضد اقتراح جهاز تنظيم الاتصالات ليس فقط لأن النص المقترح ترك تعريف حالات "تهديد الأمن القومي" مبهماً، لكنه أيضاً قنن القرار الخاص بقطع الاتصالات، وكأن اقتراح الحكومة – ممثلة في جهاز تنظيم الاتصالات – جاء ليزيل غموض المادة ٦٧ بأن نص صراحةً على جواز قطع خدمات الاتصالات. الأسوأ من ذلك أن  بعض الصحف تناولت اقتراح الحكومة على أساس أن ذلك هو ما انتهت إليه جلسة الحوار المجتمعي دون الإشارة إلى الأصوات الكثيرة التي اعترضت على هذا الاقتراح خلال الجلسة. وكان الواجب على جهاز تنظيم الاتصالات بصفته الجهة التي دعت إلى الحوار أن تقوم بنشر محضراً تفصيلياً للجلسة متضمناً جميع المداخلات والأراء التي تم استعراضها ونشر هذا المحضر على موقع الجهاز على الإنترنت. لكن جهاز تنظيم الاتصالات اكتفى بأن أتاح من خلال موقعه الإلكتروني الفرصة لكل من يرغب في المشاركة وإبداء الرأي في الموضوع أن يرسل تعليقاته خلال فترة زمنية محددة، وهذه أيضاً مبادرة طيبة من قبل الجهاز أن يتيح  فرصة المشاركة المجتمعية من خلال الإنترنت. وكان من المفيد والضروري أن تكون جميع الأراء والتعليقات متاحة على الموقع الإلكتروني للجهاز حتى تتحقق الشفافية وحتى يتسنى للمشاركين والمتابعين معرفة وجهات النظر والاقتراحات المختلفة حول تعديلات القانون. للأسف لم يكن ذلك متاحاً بل الأسوأ من ذلك أنه بدا وكأن هناك حالة من التعتيم حول الموضوع كما لو كانت مرحلة الحوار المجتمعي قد انتهت وهي التي كانت قد بدأت لتوها، واكتفى المسؤولون في الوزارة والجهاز بتصريحات في الصحف من نوعية أن الجهاز كان قد أجرى حواراً مجتمعياً وتلقى العديد من الاقتراحات وجاري دراسة هذه الاقتراحات حتى يتمكن الجهاز من إعداد التعديلات اللازمة.
واستمرت حالة الغموض لفترة إلى أن نشرت المصري اليوم خبراً في عددها الصادر يوم ١٢/٨ مفاده أن قراراً قد صدر بتشكيل لجنة من الأمن القومي سيكون لها دوراً محورياً في إقرار تعديلات القانون خاصة المادة ٦٧. طبعاً هناك أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح إذا ما كان الخبر المنشور في المصري اليوم صحيحاً، وأعتقد أنه صحيح لأنني لم أقرأ فيما بعد تكذيباً أو تعقيباً أو توضيحاً للخبر. وأبسط هذه الأسئلة لماذا لجنة من الأمن القومي؟ من هم  أعضاؤها؟  وياترى هل كان لأي من هؤلاء الأعضاء دوراً في اللجنة التي شكلت من الجهات السيادية ووزارة الاتصالات قبيل أحداث ٢٥ يناير؟ وماذا حدث للحوار المجتمعي؟ أليس من حق هؤلاء الذين شاركوا فيه سواء بحضور الجلسة أو بإرسال مقترحات على موقع الجهاز أن يعرفوا مصير مقتراحاتهم؟ ألم تتقدم لجنة الصناعة التابعة لجهاز تنظيم الاتصالات بمقترحات؟ هل تلقت اللجنة رد من أي مسؤول بالجهاز حول هذه المقترحات؟ إلى آخر القائمة الطويلة من الأسئلة التي ليس لها إجابة حتى الان.
ثم فاجأتنا المصري اليوم مرة أخرى بنشر مسودة تعديل قانون الاتصالات التي تضمنت تعديلات في مواد كثيرة من ضمنها المادة ٦٧. ولم تكن مفاجأة أن نجد النص المقترح لتعديل المادة ٦٧ متوافقاً مع الصياغة التي اقترحها جهاز تنظيم الاتصالات في شهر مايو خلال جلسة الحوار المجتمعي. وبحسب ما نشرت المصري اليوم فإن المادة ٦٧ المعدلة تنص على أن "يقوم رئيس مجلس الوزراء بتحديد السلطة المختصة فى الدولة التى تخضع لإرادتها جميع شبكات الاتصالات، لمواجهة حالات التعبئة العامة المشار إليها، وفى جميع الأحوال يحظر قطع كل أو بعض أنواع خدمات الاتصالات أو وقف تشغيلها كلياً أو جزئياً إلا بناء على قرار كتابى يصدر من رئيس الجمهورية، بناء على اقتراح مجلس الوزراء، على أن يقدم تقرير تفصيلى لمجلس الشعب بالأسباب التى دعت لذلك خلال ٣٠ يوماً من صدور القرار ولمجلس الشعب إعمال اختصاصاته فى هذه الحالة ولا يجوز قطع خدمات الإغاثة والطوارئ". وستتم إضافة فقرة على تلك المادة بعد تعديلها لتوضح حالات التعبئة العامة بحيث تقتصر على: توتر العلاقات الدولية، قيام خطر الحرب، كوارث طبيعية وبيئية، أزمات تهدد الأمن القومي. ومرة أخرى فإن الأسئلة التي تدور في الذهن كثيرة وقد أثارها كثيرون غيري خلال جلسة الحوار المجتمعي اليتيمة وفي غيرها من المناسبات‪ ولن أسرد هذه الأسئلة مرة أخرى لكني سأحاول فقط أن أبرز بعض النقاط المهمة. النقطة الأولى هي محاولة معرفة الغرض من هذا التعديل. إذا كان الغرض هو تقنين عملية قطع خدمات الاتصالات والإنترنت مستقبلاً في حالة قيام مظاهرات في البلاد شبيهة لمظاهرات ٢٥ يناير، فأعتقد أن التعديل المقترح سيؤدي الغرض لأن هذه المظاهرات ستدخل في نطاق الأزمات التي تهدد الأمن القومي وسيكون من غير المنطقي لمجلس الوزراء أن يكتب غير ذلك في تقريره الذي سيرفعه لرئيس الجمهورية لاتخاذ قرار القطع وسيكون كل شيء طبقاً للمادة ٦٧ من القانون بحيث تصبح فكرة مساءلة المسؤول عن قرار القطع غير واردة بالمرة لأن كل شيء تم بالقانون. أما إذا كان الهدف من التعديل هو التأكيد على أن ما حدث أثناء الثورة من قطع لخدمات الاتصالات والإنترنت لن يتكرر في المستقبل كما صرح بذلك وزير الاتصالات السابق في أكثر من مناسبة، فأنا لا أتصور أن التعديل كما جاء في المسودة التي نشرتها المصري اليوم يمكن أن يحقق ذلك، ولا أظن أيضاً أن الجهة التي اقترحت مثل هذا التعديل جادة في تحقيق هذا الهدف. النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها هي دور السلطة المختصة التي ستنتقل إليها إدارة جميع شبكات الاتصالات في الحالات المشار إليها عاليه. أنا ممكن أن أتفهم دور الجهات الأمنية في المشاركة في إدارة شبكات الاتصالات في وقت الأزمات، مع قناعتي بضرورة تعريف هذه الأزمات بشكل دقيق وألا تترك فضفاضة كما هي في القانون بوضعه الحالي وكما تقترح مسودة التعديل، لكني لا أفهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي بهذه الجهات بأن تصدر توصية لصاحب القرار بضرورة قطع الاتصالات في وقت قد تكون البلاد في أحوج ما تكون إلى خدمات الاتصالات. هناك نقاط عديدة أخرى تستحق النقاش حول المادة ٦٧ لكن نظراً لطول التدوينة، وهو ما لم أتوقعه ولا أفضله، فسأكتفي بهذا القدر. ملحوظة أخيرة حول المواد الأخرى المقترح تعديلها في القانون، بعض هذه المواد لا تقل أهمية عن المادة ٦٧ ان لم تكن أهم منها كالمواد المتعلقة بدور الجهاز واختصاصاته، وتستحق هذه المواد مع غيرها المزيد من التدبر قبل وضعها في صورتها النهائية في القانون المعدل. أيضاً كنت أتمنى أن أرى مواداً جديدة تتحدث عن استقلال جهاز تنظيم الاتصالات عن وزارة الاتصالات وعن تشكيل مجلس إدارته بطريقة وفكر مختلفين عما هو حادث الآن لكن يبدو لي أننا لن نرى مثل هذه التعديلات في المستقبل القريب.
كلمة أخيرة، مازلت متفائلاً أن فرصة الحوار المجتمعي الجاد حول هذا القانون وغيره من الأمور المتعلقة بسياسات الاتصالات والإنترنت مازالت قائمة بشرط أن تكون جميع الأطراف المشاركة جادة في رغبتها في تحقيق ما هو أفضل للمجتمع المصري بأسره. وإلى أن يحدث ذلك سأقول لا للتعديلات المقترحة في قانون الاتصالات.