Saturday, May 17, 2014

تفاعل المجتمع المدني المصري مع قضايا سياسات الإنترنت


شاركت مع مجموعة من الحقوقيين المصريين في حلقة نقاش حول قضايا حوكمة الإنترنت واستعرضنا آخر المستجدات على الساحة الدولية من إعلان الحكومة الأمريكية تخليها عن دورها الإشرافي على وظيفة أيانا (IANA Function) التي تقوم بها أيكان (ICANN) إلي اجتماع نت مونديال (NetMundial) الذي عقد في البرازيل الشهر الماضي وكذلك منتدى حوكمة الإنترنت (IGF) الذي سيعقد اجتماعه السنوي التاسع في مدينة إسطنبول أوائل شهر سبتمبر القادم
الموارد

كان السؤال المطروح خلال النقاش هو كيف يمكن للمجتمع المدني المصري أن يشارك بفعالية في مختلف قضايا سياسات الإنترنت المطروحة سواء على المستوى الدولي أو المستوى المحلي. وحيث أن القضايا المطروحة كثيرة وليست بالضرورة على نفس الدرجة من الأهمية بالنسبة لنا، اتفق الحضور على ضرورة تحديد القضايا أو المحاور المهمة وكذلك تحديد أشخاص لديهم من المعرفة والخبرة بهذه القضايا ما يؤهلهم من أن يلعبوا دوراً رائداً في الجهود المتعلقة ببناء القدرات والتوعية، وما قد يتطلبه ذلك من إنتاج محتوى باللغة العربية في الموضوعات ذات الصلة


سأبدأ هنا بسرد قضايا سياسات الإنترنت التي يدور حولها النقاش في المنتديات المختلفة لإتاحة الفرصة للقارئ بالتعرف عليها وتكوين وجهة نظر عن الموضوعات التي يمكن أن يكون لها الأولوية بالنسبة لمجتمعنا المدني المصري.

قضايا سياسات الإنترنت:

- الموارد الحيوية للإنترنت، ويدخل في ذلك إدارة نظام أسماء النطاقات، وعناوين بروتوكولات الإنترنت، وإدارة نظام الخوادم الجذرية، والمعايير التقنية. 
- المسائل المتصلة بالبنية التحتية والنفاذ إلى الإنترنت، ويدخل في ذلك نقاط تبادل الإنترنت (Internet Exchange Point) وتكلفة التوصيل البيني بين الشبكات محلياً ودولياً.
- المسائل المتعلقة بحيادية الشبكة
- أمن واستقرار الإنترنت، والجرائم الإلكترونية، بما في ذلك المسائل المتصلة بالبريد الإلكتروني التطفلي (سبام)، وحماية النشء على الإنترنت.
- حماية بيانات المستخدمين والحفاظ على حقهم في الخصوصية وتعزيز الثقة بالإنترنت.
- الإنترنت وحقوق الإنسان ولاسيما حرية التعبير والحق في الوصول للمعلومات.
- انفتاح الإنترنت سواء على مستوى البروتوكولات المستخدمة في تصميمها أو في الخدمات والمعلومات التي يتم إتاحتها لجميع المستخدمين بغض النظر عن مكانهم، ويدخل في ذلك أيضاً دعم استخدام البرامج والتطبيقات مفتوحة المصدر. 
- حقوق الملكية الفكرية والتوازن بين حقوق المستخدمين وحقوق الحائزين ومسؤولية الوسطاء (مقدمي خدمات الإنترنت) في الحفاظ على هذه الحقوق.
- التعدد اللغوي على الإنترنت في المحتوى، والتطبيقات، والعناوين، وكذلك التنوع الثقافي والحفاظ على الموروث الثقافي للمجتمعات المختلفة.  
- التجارة الإلكترونية والأطر المنظمة لعمليات البيع والشراء على الإنترنت. 
- المسائل المتصلة بالجوانب الإنمائية لحوكمة الإنترنت، ولا سيما بناء القدرات في البلدان النامية.
- الأطر التشريعية عبر الحدود في فضاء إلكتروني لا يعترف بالحدود
- نموذج تعدد أصحاب المصلحة ومشاركة جميع أصحاب المصلحة في وضع وتطوير سياسات الإنترنت محلياً وإقليمياً وعالمياً.



جدير بالذكر أن قضايا سياسات الإنترنت تتغير وتطور بتطور الإنترنت نفسها، وبالتالي فإن القضايا المطروحة للنقاش اليوم قد لا يكون لها أهمية في المستقبل، وبالمثل فقد تظهر الحاجة لمعالجة قضايا في المستقبل لا وجود لها اليوم


Monday, January 13, 2014

٢٥ يناير.. حلم ملايين المصريين

عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. ليس مجرد هتاف ولكنه حلم لملايين المصريين.. حلم بدولة عصرية قوية ترتكز على قيم العدل والحرية والمساوة.. دولة تحترم القانون وتعلي من شأنه وتحترم المواطن وتوفر له الحد الأدنى من الحياة الكريمة.. دولة تقدس العلم والعمل وتشجع على الإبداع وحرية التعبير.. دولة يعلم القائمون عليها أن السيادة للشعب وأنهم خدام لهذا الشعب.. دولة تساوي بين جميع المواطنين في حقوق المواطنة وواجباتها دون تمييز. 

خرج ملايين المصريين للشوارع منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى يومنا هذا عشرات المرات من أجل تحقيق هذا الحلم.. سقط شهداء ومصابون.. وسحلت أجساد وانتهكت أعراض.. ولا يزال الشعب يريد تحقيق الحلم.. أصحاب هذا الحلم يرون الصورة واضحة حتى في أحلك الظروف.. الحلم وليس السلطة هو هدفهم.. الشعب وليس الرئيس هو سيدهم.. العدل وليس القمع هو منطقهم.. سيادة القانون وليس أمن الدولة هو دستورهم.. لم يتاجروا بالثورة (المصطلح السياسي للحلم).. لم ينافقوها بتحية عسكرية.. لم يبيعوها في مقابل كرسي الحكم.. ولم يهينوها ويرخصوها ويشوهوها كما فعل ويفعل مدعي الثورية من بقايا نظام انتهت صلاحيته وبقايا جماعة قررت بمحض إرادتها أن تنتحر سياسياً.. وبالطبع لم يشارك أصحاب الحلم في تفويض أي شخص لقتل مواطنين أبرياء. 

في أوقات الانكسار يبدو الحلم بعيد المنال.. "الوقت مش وقت أحلام" كما يقول البعض.. الوقت وقت عمل وإنتاج.. ولا بد من الاستقرار لكي تدور عجلة الإنتاج.. لا بد أن تستعيد الدولة هيبتها حتى لو كان الثمن مزبداً من الدماء.. ولا مانع أيضاً من اعتقال بعض من أصحاب الحلم أو على الأقل ابتزازهم وتشويههم..  "وكله عشان الدستور وعشان العجلة تدور".. لكن أوقات الانكسار هذه هي فرصة لأصحاب الحلم للتفكير والمراجعة.. فرصة للتأكيد على المبادئ والتأمل في البدائل.. فرصة لشحن الطاقات وشحذ الهمم ومواصلة المشوار. 


يدرك أصحاب الحلم أن الطريق طويل وشاق.. فبعضهم بدأ المشوار قبل ٢٥ يناير بسنوات.. لكنهم ماضون في تحقيق حلمهم الذي لا يعرفون غيره.. وبينما هم ماضون في طريقهم يرددون قول أحدهم: "ويسقط كل من خانوا.. ويسقط كل من هانوا.. ويسقط كل من وقفوا ف وش جيل بيتحرر.. ويسقط كل من ضربوا.. ويسقط كل من قتلوا.. ويسقط كل من شطبوا سطور ف تاريخ بيتسطر".

Sunday, January 6, 2013

الدستور المصري ولوائح الاتصالات الدولية

الدستور المصري ولوائح الاتصالات الدولية

على مدار أكثر من عام، كنت أتابع عن قرب عمليتين لا تربطهما أي علاقة من الناحية العملية، لكنهما ظلتا مرتبطتين في ذهني بأوجه شبه عديدة، مما شجعني على الكتابة في الموضوع لكني آثرت الانتظار حتى انتهاء العمليتين خصوصاً أن توقيت اتمام العمليتين كان متقارباً للغاية حيث تم إنجازهما خلال شهر ديسمبر ٢٠١٢.

كأي مواطن مصري تابعت عملية كتابة دستور مصر بعد ثورة ٢٥ يناير منذ التعديل الدستوري الأول في ٢٠١١ مروراً بالجمعية التأسيسية وما صاحب تشكيلها وعملها من جدل وحتى إعلان نتيجة الاستفتاء الشهر الماضي. وبحكم عملي في مجال الإنترنت تابعت عن قرب عملية مراجعة لوائح الاتصالات الدولية التي أقرتها الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للاتصالات عام ١٩٨٨، وجاء تحديث هذه اللوائح بعد أكثر من عقدين من الزمن شهد العالم خلالهما الطفرة الأكبر في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. ولوائح الاتصالات الدولية هي بمثابة معاهدة دولية تتضمن القواعد المنظمة للاتصالات الدولية بين الدول فيما يخص حركة مرور المكالمات الدولية، والمحاسبة المالية بين هيئات الاتصالات في الدول المختلفة، وغيرها من الأمور ذات الصلة. وقد شهدت مدينة دبي في الفترة من ٣ إلى ١٤ ديسمبر ٢٠١٢ مؤتمراً دولياً للتفاوض حول بنود المعاهدة الجديدة وإقرارها. كانت الإنترنت هي القضية المحورية المثيرة للجدل في لوائح الاتصالات الدولية، حيث انقسمت الدول ما بين مؤيد ومعارض لتضمين المعاهدة مواداً لها علاقة بالإنترنت من محتوى وتآمين وغيرها. وقدمت بعض الدول خلال فترة التحضير لمؤتمر دبي مقترحات من شأنها تمكين الدول من إحكام سيطرتها على الإنترنت بينما دعت الدول المتبنية لسياسات أكثر انفتاحاً وليبرالية في استخدام الإنترنت لاستبعاد قضايا الإنترنت تماماً من المعاهدة.  

ولقد أثار الخلاف بين الدول حول الأمور المتعلقة بالإنترنت في لوائح الاتصالات الدولية حالة من الاستقطاب كالتي نشأت بين القوى السياسية في مصر حول الدستور. وكان الإعلام حاضراً بقوة في الحالتين، ففي الوقت الذي كان فيه الدستور هو المادة الأساسية للإعلام المصري، لم ينقطع الحديث في الصحافة والمواقع الإلكترونية المتخصصة خاصة الأمريكية والأوروبية عن لوائح الاتصالات الدولية وسعي بعض الدول توسيع نطاق هذه اللوائح لتشمل الإنترنت. وكما شهدت مصر حملات إعلامية مدفوعة الأجر تدعو المواطنين للتصويت بـ "لا" على الدستور، نظمت شركات وتحالفات أمريكية حملات إلكترونية تحذر مستخدمي الإنترنت من سعي بعض الدول لفرض رقابة على الإنترنت من خلال معاهدة دولية تحت مظلة الأمم المتحدة. الفرق بين الحالتين بالطبع أن الدستور في الحالة الأولى كان حديث الشارع المصري بينما معاهدة الاتصالات في الحالة الثانية كانت محط أنظار قطاع محدود من المهتمين والمتخصصين في أنحاء مختلفة من العالم. 

المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة هي منظمات حكومية يكون التمثيل فيها للدول الأعضاء ولكل دولة صوت واحد. وبالرغم من وجود تمثيل من قطاعات أخرى غير حكومية في بعض المنظمات الدولية، فإن ممثلي هذه القطاعات ليس لهم صوت وإنما يشاركون كمراقبين وبالتالي لا يؤثرون في عملية اتخاذ القرار. وعادة ما تكون اجتماعات المنظمات الدولية مقصورة فقط على الدول الأعضاء والمراقبين ولا يسمح للخبراء والمهتمين من غير الأعضاء بالحضور إلا من خلال مشاركتهم ضمن وفود الدول الأعضاء. وشهدت العملية التحضيرية لمؤتمر دبي عشرات الاجتماعات للمجموعات الإقليمية على مستوى العالم، وكانت جميعها مغلقة على الأعضاء ومن توجه لهم الدعوة للحضور كمراقبين. وكان لا يتم نشر أي من مخرجات هذه الاجتماعات أو أي من المقترحات والوثائق التي يتم مناقشتها إلا إذا تم تسريبها من قبل أحد الأعضاء. وبالرغم من قيام الاتحاد الدولي للاتصالات قبل مؤتمر دبي بفترة قصيرة بنشر وثيقة تتضمن جميع المقترحات المقدمة من قبل الدول والمجموعات الإقليمية بهدف الحصول على تعليقات، إلا أن ذلك لم يساعد كثيراً في تحسين مستوى الشفافية التي كانت واحدة من نقاط الضعف الأساسية في العملية. على الجانب الآخر، لم تكن درجة الشفافية المصاحبة لعملية كتابة مشروع الدستور المصري أفضل كثيراً، حيث كانت الجمعية التأسيسية للدستور تعقد اجتماعاتها في غرف مغلقة، وكان يتم التشكيك في كل ما يتم نشره في الإعلام من مقترحات أو مسودات للدستور، وشابت عملية التعليقات العامة العديد من أوجه القصور، وغاب الحوار المجتمعي، ولم يؤخذ برأي الخبراء وفقهاء الدستور في كثير من الأمور. هذا بالإضافة للعوار الذي أصاب تشكيل الجمعية التأسيسية والذي أدى إلى استئثار فصيل سياسي وحيد بالعملية وانسحاب العديد من أعضائها.    

كانت جولة المفاوضات شاقة في دبي، وحاول كل فريق في البداية أن يخرج بأكبر مكاسب ممكنة، وفي الأيام الأخيرة من المؤتمر كان هدف كل فريق أن يخرج بأقل خسائر ممكنة. فبينما كانت الولايات المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا واليابان والدول الأوربية تحاول جاهدة أن تخرج بمعاهدة للاتصالات الدولية لا تتعرض لقضايا الإنترنت من قريب أو من بعيد، كانت الدول النامية بقيادة الصين وروسيا وإيران ودول المجموعة العربية والأفريقية وأمريكا الجنوبية (كان هناك استثناءات في المجموعات الثلاث) تسعى إلى تضمين الاتفاقية بنوداً صريحة تمنح الدول مظلة دولية لإحكام سيطرتها على حركة مرور البيانات عبر حدودها. وقرب نهاية فترة المؤتمر كان واضحاً للحضور عدم إحراز تقدم حقيقي في المفاوضات، فسعى الأمين العام للاتحاد الدولى للاتصالات للتفاوض مع ممثلي بعض الدول والتوافق حول صفقة ما تحقق لكل طرف جزء مما يريد. وفي النهاية فشل التوافق حول هذه الصفقة وتم اللجوء للتصويت وانتهى الأمر بتوقيع ٨٩ دولة على الاتفاقية وامتناع ٥٥ دولة عن التوقيع (بعضها رفض التوقيع والبعض الآخر طلب مهلة للتشاور مع العاصمة). وكما فشل المؤتمر في التوافق حول اللوائح الدولية للاتصالات، كانت الجمعية التأسيسية قد فشلت بالفعل في التوافق حول مشروع الدستور المصري. فبعد استقالة العديد من أعضاء الجمعية التأسيسية من ممثلي التيارات السياسية المدنية، وقبيل انطلاق مؤتمر دبي بأيام قليلة كانت الجمعية التأسيسية، أو ما تبقى منها، تمضي قدماً للانتهاء من مشروع الدستور، وأمضي أعضاؤها ليلة كاملة للتصويت على مواد الدستور مادة مادة، وتم تقديمه لرئيس الجمهورية وطرحه للاستفتاء في منتصف ديسمبر وسط حالة من السخط والرفض من معظم القوى السياسية غير المنتمية لجماعات الإسلام السياسي. وكانت النتيجة النهائية للاستفتاء على الدستور المصري مقاربة إلى حد كبير للنتيجة التي انتهى إليها مؤتمر دبي حيث كانت نسبة التصويت بـ "نعم" ٦٣،٨٪ مقابل ٣٦،٢٪ نسبة التصويت بـ "لا"

وتبقى ملاحظة أخيرة وهي أنه بغض النظر عن درجة قبولنا لكلا الوثيقتين - اللوائح الدولية للاتصالات والدستور المصري - فإن نصوص هذه الوثائق عادة ما تستخدم لغة فضفاضة تقبل التفسير على أكثر من نحو، وعليه تكون العبرة في كيفية التطبيق العملي لهذه النصوص من خلال القوانين والتشريعات والعمليات المترتبة عليها. وأنا شخصياً أستطيع أن أزعم أن لدى تصور لما يمكن أن يترتب على لوائح الاتصالات الدولية ومدى تأثيرها على سياسات الإنترنت الدولية، وهو موضوع يحتاج تدوينة منفصلة، لكني لست على نفس الدرجة من الوضوح بالنسبة للدستور المصري من حيث عمره الزمني ومدى تأثيره بالسلب أو الإيجاب على مستقبل هذا الوطن. 


Tuesday, June 19, 2012

الإنترنت وسيادة الدول

خلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي نجح الأخير عام ١٩٥٧ في إطلاق أول قمر صناعي إلى الفضاء الخارجي. القمر الصناعي والمعروف باسم سبوتنيك لم يحقق نجاحاً ملموساً من الناحية العلمية، لكنه بالتأكيد أضاف لرصيد الإتحاد السوفيتي في سباق الحرب الباردة. ولم يكن إطلاق سبوتنيك بمثابة إشارة لبدء عصر الفضاء فحسب، بل كان درساً قاسياً بالنسبة للأمريكيين جعلهم ينظرون بجدية في مواضع القصور الموجودة في نظامهم التعليمي والعمل على تصحيحها، وكذلك التفكير بشكل جدي وعملي في كيفية الاستثمار في مجال البحث العلمي وتأهيل كوادر جديدة من الباحثين. وبدأ العمل في أكثر من اتجاه وأكثر من مجال وبدأت بعض النتائج تظهر سريعاً حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في غضون عام واحد عن إنشاء وكالتين علميتين تابعتين للحكومة لدعم وتطوير الأبحاث في مجالات علوم الفضاء والتسليح والحاسب الآلي، وهما وكالة أبحاث الفضاء والمعروفة باسم "ناسا"، ووكالة مشاريع البحوث المتقدمة في وزارة الدفاع والمعروفة باسم "أربا". وكانت واحدة من المشكلات التي شرعت "أربا" بالنظر فيها هي كيفية تمكين أجهزة الدولة من الاتصال فيما بينها في حالة تدمير شبكة الهواتف الأرضية نتيجة تعرض البلاد لهجوم بالصواريخ. ونتج عن هذه الأبحاث شبكة للحاسبات عرفت باسم "أربانت" يرى البعض أنها النواة الأولى لشبكة الإنترنت التي عرفها العالم بعد ذلك بثلاثة عقود.

لم يجل بخاطر الباحثين في "أربا" أن ما يقومون به من أبحاث في أحد مجالات تكنولوجيا الاتصالات والمعروف باسم "باكت سويتشينج" سيقودهم لإحداث ثورة في عالم الاتصالات، ولم يتصور أحد العاملين في مشروع "أربانت" أنهم  يؤسسون لشبكة اتصال عالمية ستصبح يوماً ما بنداً للتفاوض بين الدول ومجالاً للنزاع بل وساحة للحرب إذا اقتضى الأمر.  جدير بالذكر أن مرحلة بناء ما سمي فيما بعد بالإنترنت قد مرت بمراحل مختلفة كانت السمة المشتركة فيها هي دور المجتمع التقني من المهندسين والباحثين في علوم الكمبيوتر في تطوير المعايير الهندسية والتطبيقات والبرامج المختلفة في ظل مساحة واسعة من الحرية بعيداً عن سلطة السياسة والمال.  والسؤال هو: ما الذي حل بالإنترنت بنداً دائماً على أجندة اجتماعات الحكومات والمنظمات الدولية والإقليمية الحكومية؟ الإجابة من وجهة نظري تتلخص في إدراك الدول لأمرين أساسيين: الأمر الأول هو ما تمثله أو ما يمكن أن تمثله الإنترنت من قوة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية؛ والأمر الثاني هو حالة عدم التوازن السياسي التي خلقتها الإنترنت فيما يخص سلطة الحكومات على هذه الشبكة.

أما الأمر الأول، فقد كان لظهور تكنولوجيا الويب وما تبعها من تطبيقات محدودة في بداية التسعينيات ما استرعى انتباه البعض أن العالم على مشارف حقبة جديدة ستلعب فيها هذه التكنولوجيا الناشئة دوراً محورياً في تطوير وتغيير العديد من المفاهيم والنظريات التقليدية في مجالات عدة كالاقتصاد والأعمال والتعليم والخدمات وسيتسع تأثيرها ليشمل جوانب أخرى في المستقبل. وبدأت ملامح هذه الحقبة الجديدة تتشكل بظهور العديد من الشركات الصغيرة في ذلك الوقت والتي بدأت بتقديم خدمات وبيع منتجات من خلال مواقعها الإلكترونية. بعض هذه الشركات فشل واختفى بعد سنوات قليلة والبعض الآخر نجح وتقدم إلى مصاف الشركات العملاقة. وما شركات مثل أمازون وياهو وجوجل إلا أمثلة قليلة لذلك النوع الأخير. ومع مرور الوقت اتسعت الإنترنت ونمت التجارة الإلكترونية ونما معها حجم المعلومات المتدفقة وكذلك حجم الإعلانات التي باتت تشكل مصدراً أساسياً من مصادر دخل الشركات العاملة في مجال الإنترنت. ومع انتشار خدمات الإنترنت، تنبهت الحكومات إلى هذا الوسيط الجديد الذي يمكن من خلاله تقديم العديد من الخدمات للمواطنين بطريقة أكثر فاعلية وكفاءة، وبدأنا نسمع عن خدمات الحكومة الإلكترونية قرب نهاية العقد الأخير من الألفية السابقة. تزامن ذلك مع استثمارات كبيرة قامت بها الدول في بنيتها التحتية للاتصالات سواء بشكل مباشر أو من خلال شراكة مع القطاع الخاص. لكن لم تكن الخدمات الإلكترونية والاستثمار في البنية التحتية هو غاية اهتمام الدول في ذلك الوقت. كانت ثمة أسئلة تطرح نفسها بشأن القواعد والقوانين المنظمة لانتقال المعلومات والبيانات والسلع والخدمات عبر الحدود من خلال شبكة لا تعترف بالحدود الجغرافية. هذه أمور تتعلق بسيادة الدول لكن مع اختلاف بسيط أن فضاء الإنترنت يحتاج إلى قواعد جديدة لتمكين الدول من ممارسة سيادتها على حدودها الافتراضية بشكل مماثل أو على الأقل مشابه لسيادتها علي أراضيها وسماواتها ومياهها الإقليمية والتي تتم وفقاً للقوانين والمعاهدات الدولية. وبدا واضحاً منذ ذلك الحين أن الإنترنت ستشكل تحدياً لسيادتها وأن عليها التعامل مع هذا الأمر بكل جدية ومن خلال آليات وقنوات مختلفة.

الأمر الثاني والمتعلق بسلطة الحكومات على شبكة الإنترنت فقد لاحت في الأفق بدايات النقاش حول هذه القضية والتي  عرفت لاحقاً باسم "حوكمة الإنترنت" في الفترة بين عام ١٩٩٦ و ١٩٩٨. وكان المكون الرئيسي لقضية الحوكمة آنذاك هو موضوع إدارة أسماء وأرقام الإنترنت. وكما هو معروف فإن إدارة أسماء وأرقام الإنترنت كانت تتم تحت إشراف الحكومة الأمريكية من خلال عقود مع أشخاص وجهات مختلفة داخل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام ١٩٩٨ تم إنشاء هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة (آيكان) للقيام بهذا الدور. لكن لكون آيكان هيئة خاصة غير ربحية تخضع لقوانين ولاية كاليفورنيا الأمريكية فقد أثيرت قضية الحوكمة من منظور سيادة الدول على الإنترنت، والدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة الأمريكية مقارنة بدور باقي الدول في هذا السياق، وهو الأمر الذي يعبر عنه أحياناً بحالة عدم التوازن السياسي التي خلقتها الإنترنت. وشهدت القمة العالمية لمجتمع المعلومات والتي عقدت على مرحلتين (جنيف ٢٠٠١-٢٠٠٣ و تونس ٢٠٠٣-٢٠٠٥) ظهور قضايا الإنترنت لأول مرة بشكل رسمي على مائدة المفاوضات الدولية. ولاتزال هذه القضايا مطروحة على الأجندة السياسية الدولية حتى يومنا هذا.

 وبعد أكثر من عشر سنوات من الجدل حول الجوانب السياسية والسيادية للإنترنت، كيف يبدو المشهد اليوم؟ ماذا فعلت الدول لتعزيز سيادتها على الإنترنت؟ هل حالة عدم التوازن السياسي التي خلقتها الإنترنت مازالت مستمرة؟ هل هناك أي تغيير في المفاهيم الخاصة بالحوكمة؟ هل هناك أي تطور في الأراء والمواقف التي يتبناها أصحاب المصلحة المختلفين حول هذه القضايا؟ هل لمثل هذه القضايا أي أثر إيجابي أو سلبي علي الإنترنت التي يستخدمها اليوم قرابة ٢٫٥ مليار مستخدم؟ سأحاول في الجزء المتبقي من هذا المقال عرض بعض المشاهد والأحداث للإجابة على هذه التساؤلات.

   تمارس كثير من الدول سيادتها على الإنترنت باعتبار أن ما يجري على شبكة الإنترنت داخل الحدود الجغرافية للدولة يقع في نطاق سيادتها وبالتالي يدخل في أطرها القانونية والتشريعية. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتنوعة ومن ضمنها: سن قوانين لتنظيم عمل شركات الإنترنت سواء العالمية أو المحلية إذا أرادت هذه الشركات أن تقدم خدمات داخل الدولة؛ حجب المواقع التي ترى جهة ما في الدولة أنها توفر خدمات أو محتوى بالمخالفة لقوانين بعينها، أو بالمخالفة للتقاليد والقيم الأخلاقية والدينية، أو بالمخالفة لسياسة الدولة وأمنها وسلامتها؛ مراقبة مستخدمي الإنترنت  والتضييق على حرية الرأي والتعبير وفرض قيود على استخدام بعض الخدمات كشبكات التواصل الاجتماعي والتدوين. وقد ذهبت بعض الدول إلى حد قطع خدمات الإنترنت نهائياً كما حدث في مصر خلال الأيام الأولى من ثورة ٢٥ يناير.

التحدي الأكبر بالنسبة للدول هو قدرتها على التصدي لما يمكن أن تتعرض له من هجمات إلكترونية، وعلى بناء قوى ردع دفاعية وهجومية تستطيع استخدامها إذا لزم الأمر. وقد شهد العالم في السنوات القليلة الماضية العديد من هذه النوعية من الهجمات التي وضعت دولاً خارج نطاق خدمة الإنترنت لعدة أيام، وعرضت مواقع ومنشآت حيوية لدول أخرى للتجسس والتخريب. والجدير بالذكر أنه لا توجد حتى يومنا هذا اتفاقية أو معاهدة دولية لتأمين الفضاء الإلكتروني. وباستثناء اتفاقية مجلس أوروبا للجريمة الإلكترونية والتي وقع عليها أكثر من أربعين دولة، لم تتمكن دول العالم من التوافق حول اتفاقية متعددة الأطراف بشأن تأمين الفضاء الإلكتروني. وبينما تسعى مجموعة من دول المعسكر الشرقي بقيادة الصين وروسيا ومعها دول العالم النامي للوصول إلى صيغة دولية مقبولة لمثل هذه الاتفاقية تحت مظلة الأمم المتحدة، تتخوف الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من أن مثل هذه الاتفاقية قد تؤدي إلى إحكام الدول سيطرتها على الإنترنت والحد من التدفق الحر للمعلومات على هذه الشبكة التي تمثل الكثير بالنسبة لدول الاقتصاد الحر والسوق الدولية المفتوحة. وستظل قضية تأمين الفضاء الإلكتروني هي الشغل الشاغل لكثير من الدول لفترة طويلة قادمة، ولا عجب في ذلك إذ تشير كثير من التوقعات إلى أن حروب المستقبل القريب ستكون إلكترونية.

أيضاً في العشر سنوات الماضية، لم تتغير المواقف كثيراً في قضايا حوكمة الإنترنت. وبالرغم من أن القمة العالمية لمجتمع المعلومات وتحديداً أجندة تونس قد أسست لمجموعة من المفاهيم الجيدة للحوكمة بل وأنشأت منتدى حوكمة الإنترنت كمنصة مفتوحة للجميع للمشاركة والحوار في قضايا الحوكمة، إلا أن المواقف حول القضايا السياسية وبالأخص قضية إدارة أسماء وأرقام الإنترنت، لم تتغير كثيراً.وقد أرست القمة العالمية لمجتمع المعلومات لمبدأ مهم وهو مشاركة جميع أصحاب المصلحة من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأكاديميين والمجتمع التقني في عمليات تطوير السياسات العامة للإنترنت. وعلى مدار سبع سنوات هي عمر منتدى حوكمة الإنترنت حاولت أطراف عديدة من المؤسسات والحكومات والخبراء تعزيز نموذج تعدد أصحاب المصلحة، وقطعت بعض هذه الأطراف شوطاً معقولاً لتحسين أداء مؤسساتها وتطوير عملياتها لدعم هذا النموذج وتقديمه على أنه النموذج الأفضل للتعامل مع قضايا الحوكمة، إلا أن تأثير ذلك على  المواقف السياسية التي تتبناها الدول يكاد يكون معدوماً.

ومما لا شك فيه أن قضايا الحوكمة وما يترتب عليها من سياسات وقواعد وقوانين لها بالغ الأثر على الإنترنت وعلى مستخدمي الإنترنت سواء بالإيجاب أو بالسلب. وعادة ما تكون احتياجات وأولويات كل طرف أو كل صاحب مصلحة مختلفة عن الطرف الآخر. فبينما تسعى شركات الإنترنت للإبقاء على هذه الشبكة كمجال مفتوح لنقل المعلومات وتتبنى السياسات التي من شأنها فتح مزيد من الأسواق لها وزيادة عائداتها، فإن ما يهم المستخدم النهائي ومن يمثله من جمعيات المجتمع المدني هو ألا تنتهك خصوصيته على الإنترنت ولا تقيد حريته في الوصول لمعلومة، أو في استخدام خدمة، أو في التعبير  عن رأيه. في المقابل نجد أن ما يهم جماعة التقنيين الذين يطورون المعايير الفنية اللازمة لتشغييل الإنترنت ويعملون على إدارة البنية التحتية للشبكة، هو استمرار عمل الشبكة بكفاءة واستقرار عاليين وتفادي أي سياسات أو قرارات سياسية ئؤثر سلباً على التشغيل الفني للشبكة. وتظل القضايا السياسية والسيادية هي محور اهتمام الدول ومن يمثلها من حكومات. ونتيجة لهذا التباين في الأولويات بين الأطراف المختلفة، يرى البعض أن قضايا السياسات العامة للإنترنت تحتاج لمشاركة جميع أصحاب المصلحة حتى يتمكن كل طرف من عرض وجهة نظره ويتوافق الجميع حول سياسات تحقق التوازن المطلوب بين مصالح جميع الأطراف، وقد يسري ذلك على ما يتم إقراره من سياسات على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي.

لكن واقع الأمر ليس على هذه الدرجة من المثالية، فنموذج تعدد أصحاب المصلحة يواجه تحديات كبيرة على أرض الواقع. هذه التحديات تفرضها عوامل مختلفة بعضها لها علاقة بكيفية تطبيق النموذج وما إذا كان بالفعل يمكن الجميع من المشاركة على قدم المساواة، وبعضها لها علاقة بطبيعة دور الحكومات في قضايا السياسات العامة وما إذا كان هذا النموذج يمثل تهديداً لهذا الدور. وبالتالي تشير جميع الشواهد إلى استمرار الجدل السياسي حول قضايا الإنترنت لنفس الأسباب التي جاءت أساساً بهذه القضايا إلى اجتماعات الدول والمنظمات الدولية الحكومية والتي لخصناها في بداية هذا المقال في أمرين إثنين هما: ما تمثله الإنترنت من قوة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية؛ وحالة عدم التوازن السياسي التي فرضتها الإنترنت.

يبقى في النهاية أن نشير إلى أن هذا العام سيشهد واحداً من الاجتماعات الدولية المهمة والذي سيتم فيه مراجعة لوائح الاتصالات الدولية من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للاتصالات. هذه اللوائح هي بمثابة اتفاقية دولية أقرتها الدول الأعضاء بالاتحاد عام ١٩٨٨ لوضع القواعد التنظيمية بشأن الاتصالات الدولية بين الدول. هذه القواعد تشمل أموراً مثل تدفق وتوجيه حركة مرور المكالمات الدولية والمحاسبة بين الدول، وكذلك كفاءة الخدمات الدولية وتوفر معايير الصحة والسلامة، إلخ. سيتم مراجعة هذه اللوائح للمرة الأولى هذا العام في المؤتمر العالمي للاتصالات الدولية الذي ستستضيفه دبي في شهر ديسمبر من هذا العام. وتأتي أهمية هذا الاجتماع لكونها المرة الأولى التي سيتم فيها مراجعة هذه اللوائح بعد أكثر من عقدين من الزمن، شهد العالم خلالهما التطور الأكبر والأسرع في تاريخ الاتصالات السلكية واللاسلكية، وشهد أيضاً نشأة ونمو شبكة الإنترنت. وبالرغم من تأكيد السكرتير العام للاتحاد الدولي للاتصالات في أكثر من مناسبة على أن هذه اللوائح تخص فقط القواعد التنظيمية للاتصالات الدولية ولا شأن لها بقضايا حوكمة الإنترنت، إلا أن كثير من المقترحات المقدمة من قبل الدول تتعرض لقضايا أسماء وأرقام الإنترنت وتأمين الفضاء الإلكتروني والخصوصية وسلطة الدول في مراقبة وحجب  المعلومات وغيرها من الأمور ذات الصلة بالإنترنت. ويبدو المشهد لكثير من المتابعين أن اجتماع دبي سيكون بمثابة فرصة أخرى لبعض الدول للتفاوض حول أمور السيادة على الإنترنت.


تلك قراءة سريعة لملف مهم حاولت من خلالها أن أسلط الضوء على بعض الجوانب المرتبطة بعلاقة الدولة بالإنترنت وهي علاقة تبدو أزلية حيث بدأت مع نشأة شبكة "أربانت" في ستينيات القرن الماضي، واستمرت إلى يومنا هذا، وإن تغيرت الظروف السياسية المحيطة وتبدلت الشبكة نفسها وتعددت الأطراف الفاعلة والمؤثرة فيها.

Tuesday, January 24, 2012

الإنترنت بين رقابة الدولة ورقابة المجتمع

في ٢٥ يناير ٢٠١١ كتبت تعليق على فيسبوك أنني دائما ما كنت افتخر بأن حكومة بلدي لم تقم في أي وقت مضى بحجب أي موقع على الإنترنت ولكن للأسف لم يعد ذلك صحيحا من اليوم. كان ذلك بمناسبة حجب موقع تويتر بعد ظهر يوم ٢٥ يناير ٢٠١١. وكان ذلك أيضا قبل قرار قطع خدمات الإنترنت والمحمول مساء يوم ٢٧ يناير ٢٠١١ بناء على أوامر من جهات أمنية. مناسبة الحديث عن ذلك اليوم هو ليس مرور عام على اندلاع الثورة المصرية، وإنما بعض التعليقات التي قرأتها مؤخراً على شبكات التواصل الاجتماعي بأن هناك اتجاه للرقابة على الإنترنت وحجب الدخول على المواقع الإباحية من أي مكان داخل مصر. وقد يكون الدافع لمثل هذه التعليقات هو نتيجة انتخابات مجلس الشعب والتي جاءت بفوز التيارات الاسلامية بالأغلبية ومن ثم تصور البعض أنه من الطبيعي أن يتم حجب مثل هذه المواقع في بلد تمثل التيارات الإسلامية فيه الأغلبية البرلمانية المنتخبة. والحقيقة أن الدعوة لحجب مثل هذه المواقع ليست بالأمر الجديد فقد سبق وطالبت مجموعات على الفيسبوك وغيرها من المنتديات بذلك، بل إن محكمة القضاء الإداري كانت قد أصدرت حكماً في سنة ٢٠٠٩  يقضي بحجب مثل هذه المواقع (وزارة الاتصالات لم تنفذ الحكم لأسباب لا أعلمها). ولكن وبغض  النظر عن الظرف الزمني والسياسي تظل النقطة الجوهرية في هذا الموضوع هي لماذا الحجب ومن عليه مسؤولية القيام به. 
تقوم فكرة التصفح على الإنترنت بالأساس على أن المستخدم يطلب ما يريد من معلومات سواء كانت هذه المعلومات مكتوبة أو مسموعة أو مرئية. وبالتالي فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم المستخدم بتشغيل برنامج المتصفح على جهاز الحاسب الخاص به فيجد نفسه امام صفحة لم يطلب هو نفسه الوصول إليها. هذه نقطة مهمة لتوضيح أحد الفروق الجوهرية بين الإنترنت ووسائل الاعلام الاخرى المقروءة والمسموعة والمرئية والتي يكون فيها المستخدم أقرب إلى المتلقي منه للباحث والمشارك كما هو الحال على الإنترنت. وهذا ليس سبباً لتبرير الرقابة على وسائل الإعلام وهو موضوع خارج نطاق حديثنا هنا ولكن لتوضيح مبدأ هام من المبادئ التي قامت عليها تكنولوجيا الويب والتي عادة لا يلتفت إليها عند الحديث عن الرقابة على الإنترنت. 
لا أعتقد أن هناك اختلافاً جوهرياً في مجتمعنا المصري على ضرورة الحفاظ على قيم المجتمع الأخلاقية ومبادئه الدينية خاصة حينما يكون الحديث عن ذلك مرتبط بمؤسسات المجتمع المختلفة بما فيها الأسرة المصرية ودورها الأصيل في غرس هذه القيم وترسيخها في النشء والشباب من الجنسين. الاختلاف عادة ما يكون حول الكيفية التي تمكن المجتمع من الحفاظ على هذه المبادئ والقيم. البعض يرى أن هذا دورالدولة من خلال مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، فنجد في موضوع الإنترنت من يطالب الدولة بالقيام بدور الرقيب على الشعب فتمنع الدخول على المواقع التي من شأنها أن تفسد المجتمع. بينما يرى البعض الآخر أن المسؤولية هنا مجتمعية بالدرجة الأولى وأن إحكام الدولة سيطرتها على الإنترنت ما هو إلا معالجة فوقية لها من الأضرار ما يفوق فوائدها. والواقع في مجتمعاتنا العربية بشكل عام أن الدولة عادة ما تقوم بدور الرقيب في أمور مختلفة وبالتالي يبدو قيامها بنفس الدور فيما يتعلق بالإنترنت من الأمور المسلم بها بل من الأمور التي ينادي بها البعض في مجتمعاتنا. هذا الواقع في رأيي هو نتاج للأنظمة السياسية في تلك الدول والتي عادة ما تفتقد للتعددية وتميل إلى المركزية الشديدة وإلى تغييب أو تهميش دور المجتمع المدني من ناحية وتعظيم دور الأجهزة الأمنية من  ناحية أخرى، مع تدني مستوى التعليم والثقافة بشكل عام. وعادة ما تغفل هذه الدول الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه الإنترنت من تمكين أفراد المجتمع وخاصة الشباب وتوسيع نطاق  قدراتهم وتحفيزهم على التفكير والابتكار. لذلك لا عجب أن حجم إسهام معظم هذه الدول على الإنترنت من خلال ما يمكن أن تقدمه من خدمات وتطبيقات ومحتوى يكاد يكون معدوم.
ويكمن الخطر الحقيقي في رقابة الدولة على الإنترنت حتى ولو من باب الحفاظ على قيم المجتمع الأخلاقية، في قيام الجهة الرقابية بتوسيع مساحة الرقابة  لتشمل أمور أخرى من سياسة ورأي وأدب وغيرها. وبالتالي تتحول الرقابة من وسيلة للحفاظ على القيم الأخلاقية وهو دور لا بد أن يضطلع به المجتمع كله بمؤسساته المختلفة - إلى قيد من قبل الدولة على حرية الرأي والتعبير وهذا أخطر ما في الموضوع.  ونظرة سريعة على الدول المجاورة نجد أن كثيراً منها يحجب مواقع ومنتديات لعرضها آراء وأفكار ترى الجهة الرقابية أن فيها خروج على تقاليد المجتمع حتى ولو كانت هذه الآراء في قضايا سياسية. وهناك دول تشترط على من يرغب في التدوين أن يحصل على ترخيص من الحكومة وإلا تعرض للمساءلة القانونية.
ومن الأمثلة التي تسلط الضوء على الرقابة على الإنترنت قضية المحتوى الإباحي للأطفال وكيفية حماية الأطفال من التعرض لهذا المحتوى. هناك العديد من التجارب وقصص النجاح في دول العالم المختلفة (بما فيها مصر) في كيفية التعامل مع هذه القضية. وتجدر الإشارة هنا أن الدول التي حققت نجاحاً في التعامل مع هذه القضية أخذت في عين الاعتبار أنها قضية مجتمعية بالدرجة الأولى تتضافر فيها الجهود بين أصحاب المصلحة من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لمكافحة هذا النوع من المحتوى. ويشكل الفرد سواء الأب والأم في البيت أو المعلم والمعلمة في المدرسة عاملاً أساسياً في توعية الأطفال عن كيفية الاستخدام الآمن للإنترنت. ويلعب المجتمع المدني دوراً مهماً في تدريب الآباء والمعلمين على استخدام الإنترنت وعلى مواكبة التطور المذهل في أدواتها وتطبيقاتها حتى يتسنى لهم مجاراة جيل الأبناء في استخدامه لهذه التكنولوجيا. وتقوم شركات القطاع الخاص بتطوير حزم البرامج وتقديم خدمات مضافة للأسر التي ترغب في توفير  استخدام آمن لأبنائها. وفي بعض البلاد قامت المدارس بتطبيق سياسة الاستخدام الآمن داخل المدرسة. وتلعب الحكومة دور المايسترو المنظم لقواعد اللعبة بين أصحاب المصلحة المختلفين من خلال وضع السياسات المحددة لدور كل طرف وفي إطار من الشفافية يضمن اضطلاع كل طرف بمسؤولياته.
تعد مصر دولة رائدة في مجال الإنترنت في العالم العربي. فهي من أوائل دول المنطقة في تقديم خدمات الإنترنت بل هي الدولة الأولى التي قامت فيها شركات القطاع الخاص بتقديم هذه الخدمات. مصر من الدول القليلة في المنطقة التي لا تفرض رقابة على الإنترنت، ولا تحجب أي من مواقعها، وبرغم حادث قطع خدمات الإنترنت خلال الثورة والذي كان بمثابة كارثة بكل المقاييس فقد قدمت مصر على مدار العقدين السابقين نموذجاً ناجحاً في حوكمة الإنترنت وكانت ومازالت شريكاً فاعلاً في العديد من المنتديات العالمية وفي عمليات تطوير سياسات الإنترنت على مستوى العالم. مجتمع الإنترنت في مصر عليه مسؤولية وطنية ليس فقط من أجل الحفاظ على ريادة مصر في المنطقة وإنما لإحداث نقلة نوعية في صناعة الإنترنت، وتكنولوجيا المعلومات بشكل عام، تضمن لمصر مكاناً دائماً على الخريطة العالمية لهذه الصناعة. 
         

Monday, August 22, 2011

لا لتعديل قانون الاتصالات


أثير في الأشهر القليلة الماضية العديد من المناقشات وصدر الكثير من التصريحات حول تعديل القانون رقم ١٠ لسنة ٢٠٠٣ بشأن تنظيم الاتصالات في مصر بزعم أن هذا القانون يضم بين مواده مادة سمحت للجهات الأمنية بقطع اتصالات المحمول وخدمات الإنترنت خلال أحداث ثورة ٢٥ يناير. والمادة  المقصودة هي المادة ٦٧ والتي تنص على أن "للسلطات المختصة فى الدولة أن تخضع لإدارتها جميع خدمات وشبكات اتصالات أى مشغل أو مقدم خدمة، وأن تستدعى العاملين لديه القائمين على تشغيل وصيانة تلك الخدمات والشبكات، فى حالة حدوث كارثة طبيعية أو بيئية أو فى الحالات التى تعلن فيها  التعبئة العامة طبقاً لأحكام القانون رقم ٨٧ لسنة ١٩٦٠ المشار إليه وأية حالات أخرى تتعلق بالأمن القومي". وفي الواقع أنني كنت ومازلت غير متحمس لإجراء أي تعديلات على القانون في :الوقت الحالي. ويمكن أن ألخص أسباب عدم حماسي في الآتي 
قناعتي الشخصية أن قرار قطع خدمات الاتصالات خلال الثورة كان قراراً أمنياً بحتاً لم يستند إلى أي قانون، بل إنني يمكن أن أزعم أن من اتخذ هذا  القرار لم يكن أصلًا  على دراية بمواد قانون الاتصالات. أضف إلى ذلك اتفاقي مع  الرأي القانوني القائل بأن هذه المادة 
برغم بشاعتها فإنها لا تعطي أي جهة في الدولة السند القانوني لقطع الاتصالات.
  عدم ارتياحي لفكرة اصدار قوانين جديدة أو تعديل قوانين قائمة في ظل وجود مجلس عسكري في الحكم وغياب برلمان منتخب ومن
 خلال حكومة أياً كان من فيها هي بمثابة حكومة مؤقتة لحين اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وانتخاب رئيس مدني للبلاد. طبعاً يستثنى من ذلك حالات الضرورة التى تستدعي اصدار أو تعديل قوانين نحن بحاجة إليها في إطار الاستعداد للانتخابات وما إلى ذلك وهي حالات لا علاقة لها بقانون الاتصالات من قريب أو بعيد.
 اعتقادي بأن تعديل قانون الاتصالات لا بد أن يأتي في إطار مراجعة شاملة للقطاع ودراسة للتطورات التي تحدث في العالم في النواحي الفنية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية ذات الصلة بمجالات الاتصالات والإنترنت، وليس في الإطار الضيق لمادة من مواد القانون بزعم أنها سبب قطع خدمات الاتصالات. 
لكن بالرغم من عدم حماسي لإجراء التعديلات في الوقت الحالي إلا أنني رحبت بمبادرة وزارة الاتصالات وجهاز تنظيم الاتصالات لإجراء حوار مجتمعي حول الموضوع وتصورت أنها ستكون فرصة حقيقية لمشاركة المجتمع المصري ولو بالرأي في صياغة أحد القوانين المنظمة لصناعة باتت من أهم الصناعات في العالم الذي نعيشه اليوم، واعتقدت أن هذا المجتمع الذي انطلقت الشرارة الأولى لثورته من خلال شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت ونجح في الوصول إلى هدفه رغم انقطاع الخدمة لما يزيد  عن خمسة أيام من أيام الثورة الثمانية عشر، أقول اعتقدت ومازلت أعتقد أن المجتمع المصري جدير بهذه الفرصة. وأعترف بأنني كنت متفائلا بعض الشيء عندما تخيلت أن حواراً مجتمعياً جاداً يمكن أن يتم حول هذا الموضوع، لكن بدأ تفاؤلي بالتلاشي شيئاً  فشيئا مع كل تصريح يصدر من مسؤول حول الموضوع، وكنت في نفس الوقت أزداد قناعة أن تعديل القانون في الوقت الحالي سيؤدي بنا في الغالب إلى  قانون أسوأ من القانون الحالي لأنه ببساطة سيأتي من خلال حكومة تفتقد الرؤيا، وقد تكون معذورة في ذلك، وتحت مظلة حكم عسكري بدأنا نشعر ونرى مساوئه وأصبحنا نتمنى زواله في أقرب وقت. 
 ولكي أكون موضوعياً بعض الشيئ سأحاول أن أسرد باختصار الأسباب والأحداث التي ساقتني إلى وحهة نظرى هذه. الحدث الأول كان دعوة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لجلسة حوار مجتمعي حول تعديل قانون الاتصالات، وهي بالطبع خطوة محمودة من قبل الجهاز نحتاج أن نبني عليها كي تتحول عملية الحوار المجتمعي من مجرد حدث يجرى مرة أو مرات إلى ممارسة حقيقية لا غنى عنها عند مناقشة قضايا وسياسات الاتصالات والإنترنت.  وكان جهاز تنظيم الاتصالات قد أعد مسبقاً اقتراحاً لتعديل المادة ٦٧ وقام بعرضه على الحضور خلال الجلسة وينص الاقتراح على أن يكون قرار قطع الاتصالات بموافقة مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. وكانت هناك أراء عديدة خلال جلسة الحوار ضد اقتراح جهاز تنظيم الاتصالات ليس فقط لأن النص المقترح ترك تعريف حالات "تهديد الأمن القومي" مبهماً، لكنه أيضاً قنن القرار الخاص بقطع الاتصالات، وكأن اقتراح الحكومة – ممثلة في جهاز تنظيم الاتصالات – جاء ليزيل غموض المادة ٦٧ بأن نص صراحةً على جواز قطع خدمات الاتصالات. الأسوأ من ذلك أن  بعض الصحف تناولت اقتراح الحكومة على أساس أن ذلك هو ما انتهت إليه جلسة الحوار المجتمعي دون الإشارة إلى الأصوات الكثيرة التي اعترضت على هذا الاقتراح خلال الجلسة. وكان الواجب على جهاز تنظيم الاتصالات بصفته الجهة التي دعت إلى الحوار أن تقوم بنشر محضراً تفصيلياً للجلسة متضمناً جميع المداخلات والأراء التي تم استعراضها ونشر هذا المحضر على موقع الجهاز على الإنترنت. لكن جهاز تنظيم الاتصالات اكتفى بأن أتاح من خلال موقعه الإلكتروني الفرصة لكل من يرغب في المشاركة وإبداء الرأي في الموضوع أن يرسل تعليقاته خلال فترة زمنية محددة، وهذه أيضاً مبادرة طيبة من قبل الجهاز أن يتيح  فرصة المشاركة المجتمعية من خلال الإنترنت. وكان من المفيد والضروري أن تكون جميع الأراء والتعليقات متاحة على الموقع الإلكتروني للجهاز حتى تتحقق الشفافية وحتى يتسنى للمشاركين والمتابعين معرفة وجهات النظر والاقتراحات المختلفة حول تعديلات القانون. للأسف لم يكن ذلك متاحاً بل الأسوأ من ذلك أنه بدا وكأن هناك حالة من التعتيم حول الموضوع كما لو كانت مرحلة الحوار المجتمعي قد انتهت وهي التي كانت قد بدأت لتوها، واكتفى المسؤولون في الوزارة والجهاز بتصريحات في الصحف من نوعية أن الجهاز كان قد أجرى حواراً مجتمعياً وتلقى العديد من الاقتراحات وجاري دراسة هذه الاقتراحات حتى يتمكن الجهاز من إعداد التعديلات اللازمة.
واستمرت حالة الغموض لفترة إلى أن نشرت المصري اليوم خبراً في عددها الصادر يوم ١٢/٨ مفاده أن قراراً قد صدر بتشكيل لجنة من الأمن القومي سيكون لها دوراً محورياً في إقرار تعديلات القانون خاصة المادة ٦٧. طبعاً هناك أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح إذا ما كان الخبر المنشور في المصري اليوم صحيحاً، وأعتقد أنه صحيح لأنني لم أقرأ فيما بعد تكذيباً أو تعقيباً أو توضيحاً للخبر. وأبسط هذه الأسئلة لماذا لجنة من الأمن القومي؟ من هم  أعضاؤها؟  وياترى هل كان لأي من هؤلاء الأعضاء دوراً في اللجنة التي شكلت من الجهات السيادية ووزارة الاتصالات قبيل أحداث ٢٥ يناير؟ وماذا حدث للحوار المجتمعي؟ أليس من حق هؤلاء الذين شاركوا فيه سواء بحضور الجلسة أو بإرسال مقترحات على موقع الجهاز أن يعرفوا مصير مقتراحاتهم؟ ألم تتقدم لجنة الصناعة التابعة لجهاز تنظيم الاتصالات بمقترحات؟ هل تلقت اللجنة رد من أي مسؤول بالجهاز حول هذه المقترحات؟ إلى آخر القائمة الطويلة من الأسئلة التي ليس لها إجابة حتى الان.
ثم فاجأتنا المصري اليوم مرة أخرى بنشر مسودة تعديل قانون الاتصالات التي تضمنت تعديلات في مواد كثيرة من ضمنها المادة ٦٧. ولم تكن مفاجأة أن نجد النص المقترح لتعديل المادة ٦٧ متوافقاً مع الصياغة التي اقترحها جهاز تنظيم الاتصالات في شهر مايو خلال جلسة الحوار المجتمعي. وبحسب ما نشرت المصري اليوم فإن المادة ٦٧ المعدلة تنص على أن "يقوم رئيس مجلس الوزراء بتحديد السلطة المختصة فى الدولة التى تخضع لإرادتها جميع شبكات الاتصالات، لمواجهة حالات التعبئة العامة المشار إليها، وفى جميع الأحوال يحظر قطع كل أو بعض أنواع خدمات الاتصالات أو وقف تشغيلها كلياً أو جزئياً إلا بناء على قرار كتابى يصدر من رئيس الجمهورية، بناء على اقتراح مجلس الوزراء، على أن يقدم تقرير تفصيلى لمجلس الشعب بالأسباب التى دعت لذلك خلال ٣٠ يوماً من صدور القرار ولمجلس الشعب إعمال اختصاصاته فى هذه الحالة ولا يجوز قطع خدمات الإغاثة والطوارئ". وستتم إضافة فقرة على تلك المادة بعد تعديلها لتوضح حالات التعبئة العامة بحيث تقتصر على: توتر العلاقات الدولية، قيام خطر الحرب، كوارث طبيعية وبيئية، أزمات تهدد الأمن القومي. ومرة أخرى فإن الأسئلة التي تدور في الذهن كثيرة وقد أثارها كثيرون غيري خلال جلسة الحوار المجتمعي اليتيمة وفي غيرها من المناسبات‪ ولن أسرد هذه الأسئلة مرة أخرى لكني سأحاول فقط أن أبرز بعض النقاط المهمة. النقطة الأولى هي محاولة معرفة الغرض من هذا التعديل. إذا كان الغرض هو تقنين عملية قطع خدمات الاتصالات والإنترنت مستقبلاً في حالة قيام مظاهرات في البلاد شبيهة لمظاهرات ٢٥ يناير، فأعتقد أن التعديل المقترح سيؤدي الغرض لأن هذه المظاهرات ستدخل في نطاق الأزمات التي تهدد الأمن القومي وسيكون من غير المنطقي لمجلس الوزراء أن يكتب غير ذلك في تقريره الذي سيرفعه لرئيس الجمهورية لاتخاذ قرار القطع وسيكون كل شيء طبقاً للمادة ٦٧ من القانون بحيث تصبح فكرة مساءلة المسؤول عن قرار القطع غير واردة بالمرة لأن كل شيء تم بالقانون. أما إذا كان الهدف من التعديل هو التأكيد على أن ما حدث أثناء الثورة من قطع لخدمات الاتصالات والإنترنت لن يتكرر في المستقبل كما صرح بذلك وزير الاتصالات السابق في أكثر من مناسبة، فأنا لا أتصور أن التعديل كما جاء في المسودة التي نشرتها المصري اليوم يمكن أن يحقق ذلك، ولا أظن أيضاً أن الجهة التي اقترحت مثل هذا التعديل جادة في تحقيق هذا الهدف. النقطة الأخرى التي أود الإشارة إليها هي دور السلطة المختصة التي ستنتقل إليها إدارة جميع شبكات الاتصالات في الحالات المشار إليها عاليه. أنا ممكن أن أتفهم دور الجهات الأمنية في المشاركة في إدارة شبكات الاتصالات في وقت الأزمات، مع قناعتي بضرورة تعريف هذه الأزمات بشكل دقيق وألا تترك فضفاضة كما هي في القانون بوضعه الحالي وكما تقترح مسودة التعديل، لكني لا أفهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي بهذه الجهات بأن تصدر توصية لصاحب القرار بضرورة قطع الاتصالات في وقت قد تكون البلاد في أحوج ما تكون إلى خدمات الاتصالات. هناك نقاط عديدة أخرى تستحق النقاش حول المادة ٦٧ لكن نظراً لطول التدوينة، وهو ما لم أتوقعه ولا أفضله، فسأكتفي بهذا القدر. ملحوظة أخيرة حول المواد الأخرى المقترح تعديلها في القانون، بعض هذه المواد لا تقل أهمية عن المادة ٦٧ ان لم تكن أهم منها كالمواد المتعلقة بدور الجهاز واختصاصاته، وتستحق هذه المواد مع غيرها المزيد من التدبر قبل وضعها في صورتها النهائية في القانون المعدل. أيضاً كنت أتمنى أن أرى مواداً جديدة تتحدث عن استقلال جهاز تنظيم الاتصالات عن وزارة الاتصالات وعن تشكيل مجلس إدارته بطريقة وفكر مختلفين عما هو حادث الآن لكن يبدو لي أننا لن نرى مثل هذه التعديلات في المستقبل القريب.
كلمة أخيرة، مازلت متفائلاً أن فرصة الحوار المجتمعي الجاد حول هذا القانون وغيره من الأمور المتعلقة بسياسات الاتصالات والإنترنت مازالت قائمة بشرط أن تكون جميع الأطراف المشاركة جادة في رغبتها في تحقيق ما هو أفضل للمجتمع المصري بأسره. وإلى أن يحدث ذلك سأقول لا للتعديلات المقترحة في قانون الاتصالات.

Tuesday, October 12, 2010

Egypt’s New SMS Regulations


Regulating mobile short messaging service (SMS) is nothing new. Many countries around the world have developed guidelines and/or policies to regulate business-to-consumer SMS services. I for one hate it when I receive unsolicited messages on my mobile, and wish the regulator in my county could do something about that.

The telecom regulatory authority of Egypt announced yesterday that SMS providers should obtain a license before sending messages over mobile networks in Egypt. When I first read the news I thought my wish had finally come true and I would no longer receive “spam” on my mobile. But after reading through the news, I realized I was too optimistic, and got to understand that the issue was not about the legal framework needed to regulate this whole business and protect consumers. It was rather about monitoring procedures being introduced to allow security agencies to read messages. All this comes in the lead up to the parliamentary elections that Egypt will witness next month, and the presidential elections in 2011.

Politics aside, few observations are worth mentioning despite the little information available thus far on the subject, and the lack of any relevant information on NTRA and MCIT websites. The reports only talked about news services and named the ministry of information and the press supreme council as the entities authorized to grant licenses to service providers. So NTRA has nothing to do with such licenses. What does that mean? It simply means that those licenses are not about mobile services, but rather about content. The other part of the puzzle is the fact that security agencies are going to monitor the messages, identify the senders and the recipients, read the content, and decide which messages to pass and which to block. There is no mention of any regulations about the service itself: the relationship between the sender and the service provider, the sender and the recipient, and the rights of each party. This is in essence the real work that any regulator has to undertake. Regulators are not and should not be there to monitor or help other entities monitor what end-users do on the networks. Let alone privacy and freedom of expression rights, which I don’t think they exist in our laws. 

And of course I will continue to receive unsolicited messages on my mobile as long as they do not contain any political stuff the “censor” may opt to filter.